سورة الأحقاف - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحقاف)


        


{أولئك} إشارةٌ إلى الإنسانِ، والجمعُ لأنَّ المرادَ به الجنسُ المتصفُ بالوصفِ المَحكِيِّ عنْهُ، وما فيهِ من مَعْنى البُعدِ للإشعارِ بعُلوِّ رُتبتهِ وبُعدِ منزلتِه، أي أولئكَ المنعوتونَ بما ذُكِرَ من النعوتِ الجليلةِ. {الذين نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ} من الطاعاتِ، فإنَّ المباحَ حسنٌ ولا يثابُ عليهِ. {وَنَتَجَاوَزُ عَن سيئاتهم} وقرئ الفعلانِ بالياءِ على إسنادِهما إلى الله تعالى، وعلى بنائِهما للمفعولِ، ورفعِ أحسنَ على أنَّه قائمٌ مقامَ الفاعلِ، وكذا الجارُّ والمجرور. {فِى أصحاب الجنة} أي كائنينَ في عدادِهم منتظمينَ في سلكِهم {وَعْدَ الصدق} مصدرٌ مؤكدٌ لما أنَّ قولَه تعالَى نتقبلُ ونتجاوزُ وعدٌ من الله تعالى لهُم بالتقبلِ والتجاوزِ. {الذى كَانُواْ يُوعَدُونَ} عَلَى ألسنةِ الرُّسلِ.
{والذى قَالَ لوالديه} عندَ دعوتِهما لهُ إلى الإيمانِ {أُفّ لَّكُمَا} هو صوتٌ يصدرُ عنِ المرءِ عندَ تضجرِه، واللامُ لبيانِ المؤفَّفِ له كمَا في هَيْتَ لكَ. وقرئ: {أُفِّ} بالفتحِ والكسرِ بغيرِ تنوينٍ وبالحركاتِ الثلاثِ معَ التنوينِ. والموصولُ عبارةٌ عن الجنسِ القائلِ ذلكَ القولَ ولذلكَ أُخبرَ عنه بالمجموعِ كما سبقَ. قيلَ: هُو في الكافرِ العاقِّ لوالديهِ المكذبِ بالبعثِ. وعن قَتَادةَ: هُو نعتُ عبدِ سوءٍ عاقِّ لوالديهِ فاجرٍ لربِّه. وما رُويَ من أنَّها نزلتْ في عبدِ الرَّحمنِ بن أبي بكرٍ رضيَ الله عنهُمَا قبلَ إسلامِه يردُّه ما سيأتِي من قولِه تعالى: {أُوْلَئِكَ الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول} الآيةَ. فإنَّه كانَ من أفاضلِ المسلمينَ وسَرواتِهم، وقد كذَّبتِ الصدِّيقةُ رضيَ الله عنَها مَنْ قالَ ذلكَ. {أَتَعِدَانِنِى أَنْ أُخْرَجَ} أُبعثَ من القبرِ بعدَ الموتِ. وقرئ: {أَخْرُجَ}، من الخُروجِ. {وَقَدْ خَلَتِ القرون مِن قَبْلِى} ولم يُبعثْ منهم أحدٌ {وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ الله} يسألانِه أنْ يغيثَهُ ويوفقَهُ للإيمانِ. {وَيْلَكَ} أي قائلينَ له ويلكَ، وهو في الأصلِ دعاءٌ عليه بالثبورِ أُريدَ به الحثَّ والتحريضَ على الإيمانِ لا حقيقةَ الهلاكِ. {ءَامَن إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} أي البعثَ أضافاهُ إليهِ تعالى تحقيقاً للحقِّ وتنبيهاً على خطئهِ في إسنادِ الوعدِ إليهما. وقرئ: {أنَّ وعدَ الله} أي آمِنْ بأنَّ وعدَ الله حقٌّ {فَيَقُولُ} مكذباً لهُما {مَا هذا} الذي تسميانِه وعدَ الله {إِلاَّ أساطير الأولين} أباطيلُهم التي سَطرُوها في الكتبِ من غيرِ أنْ يكونَ لها حقيقةٌ.


{أولئك} القائلون هذه المقالاتِ الباطلةَ {الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول} وهو قولُه تعالى لإبليسَ: {لاَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} كما ينبىءُ عنهُ قولُه تعالى: {فِى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مّنَ الجن والإنس} وقدْ مرَّ تفسيرُه في سورةِ الم السجدةُ {إِنَّهُمْ} جميعاً {كَانُواْ خاسرين} قد ضيَّعُوا فطرتَهُم الأصليةَ الجاريةَ مجرى رؤوسِ أموالِهم باتِّباعِهم الشيطانَ، والجملةُ تعليلٌ للحُكمِ بطريقِ الاستئنافِ التحقيقيِّ. {وَلِكُلّ} من الفريقينِ المذكورينِ {درجات مّمَّا عَمِلُواْ} مراتبُ من أجزيةِ ما عملوا من الخير والشرِّ. والدرجاتُ غالبةٌ في مراتبِ المَثوبة، وإيرادُها هَهُنا بطريقِ التغليبِ. {وَلِيُوَفّيَهُمْ أعمالهم} أي أجزيةَ أعمالِهم. وقرئ بنونِ العظمةِ. {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} بنقصِ ثوابِ الأولينَ وزيادةِ عقابِ الآخرينَ. والجملةُ إمَّا حالٌ مؤكدةٌ للتوفية، أو استئنافٌ مقررٌ لها، واللامُ متعلقةٌ بمحذوفٍ مُؤخرٍ كأنَّه قيلَ وليُوفِّيهم أعمالَهُم ولا يظلمَهُم حقوقَهم، فعلَ ما فعل من تقديرِ الأجزيةِ على مقاديرِ أعمالِهم فجعلَ الثوابَ درجاتٍ والعقابَ دركاتٍ. {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الذين كَفَرُواْ عَلَى النار} أي يُعذَّبُونَ بَها منْ قولِهم عُرض الأسُارَى على السيفِ أي قُتلوا، وقيل: يُعرض النارُ عليهم بطريقِ القلبِ مبالغةً. {أَذْهَبْتُمْ طيباتكم} أي يقالُ لهم ذلكَ وهو الناصبُ للظرفِ. وقرئ: {أأْذهبتُم} بهمزتينِ وبألفٍ بينَهمَا على الاستفهامِ التوبيخيِّ أي أصبتُم وأخذتُم ما كُتب لكُم من حُظوظِ الدُّنيا ولذائِذها. {فِى حياتكم الدنيا واستمتعتم بِهَا} فلم يبقَ لَكُم بعد ذلكَ شيءٌ منَها. {فاليوم تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهون} أيْ {الهوانِ}. وقد قرئ كذلكَ. {بِمَا كُنتُمْ} في الدُّنيا {تَسْتَكْبِرُونَ فِى الأرض بِغَيْرِ الحق} بغيرِ استحقاقٍ لذلكَ {وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ} أي تخرجونَ عن طاعةِ الله عزَّ وجلَّ أي بسببِ استكبارِكم وفسقِكم المستمرين. وقرئ: {تَفْسِقونَ} بكسرِ السِّينِ.


{واذكر} أيْ لكُفَّارِ مكةَ {أَخَا عَادٍ} أيْ هوداً عليهِ السلامُ، {إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ} بدلُ اشتمالٍ منْهُ أي وقتَ إنذارِه إِيَّاهُم. {بالاحقاف} جمعُ حِقْفٍ، وهُو رملٌ مستطيلٌ مرتفعٌ فيهِ انحناءٌ منِ احقوقفَ الشيءُ إذا اعوجَّ. وكانتْ عادٌ أصحابَ عَمدٍ يسكنونَ بين رمالٍ مشرفةٍ على البحرِ بأرضٍ يُقالُ لها الشّحْرُ من بلادِ اليمنِ، وقيلَ: بينَ عُمَانَ ومَهَرَةَ. {وَقَدْ خَلَتِ النذر} أي الرُّسلُ جمعُ نذيرٍ بمعنى المنذرِ. {مِن بَيْنِ يَدَيْهِ} أي من قبلهِ {وَمِنْ خَلْفِهِ} أي منْ بعدهِ. والجملةُ اعتراضٌ مقررٌ لما قبلَهُ مؤكدٌ لوجوبِ العملِ بموجبِ الإنذارِ، وُسِّط بينَ أنذرَ قومَهُ وبينَ قولِه {أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله} مسارعةً إلى ما ذُكِرَ من التقريرِ والتأكيدِ وإيذاناً باشتراكِهم في العبارةِ المحكيةِ، والمَعْنى واذكُرْ لقومِكَ إنذارَ هودٍ قومَهُ عاقبةَ الشركِ والعذابِ العظيمِ، وقد أندرَ مَنْ تقدمَهُ من الرسلِ، ومن تأخرَ عنْهُ قومَهُم مثلَ ذلكَ فاذكُرهم. وأَما جعلُها حالاً من فاعلِ أنذرَ على مَعْنى أنَّه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أنذرَهُم، وقالَ لَهُم لا تعبدُوا إلا الله {إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} وقد أعلمهم أنَّ الرسلَ الذين بُعثوا قبلَه والذينَ سيُبعثونَ بعدَهُ كلَّهم منذرونَ نحوَ إنذارِه، فمعَ ما فيهِ من تكلفِ تقديرِ الإعلامِ لا بُدَّ في نسبةِ الخلوِّ إلى مَن بعدَهُ من الرسلِ من تنزيلِ الآتِي منزلةَ الخالِي. {قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا} أيْ تَصُرِفَنَا {عَنْ ءالِهَتِنَا} عن عبادتِها {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} منَ العذابِ العظيمِ {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} في وعدِك بنزولهِ بنَا.
{قَالَ إِنَّمَا العلم} أي بوقتِ نزولِه أو العلمُ بجميعِ الأشياءِ التي من جُمْلتِها ذلكَ {عَندَ الله} وحدَهُ لا علمَ لي بوقتِ نزولِه ولا مدخلَ لي في إتيانِه وحلولِه وإنَّما علمُه عندَ الله تعالَى فيأتيكُم بهِ في وقتهِ المقدرِ لهُ. {وَأُبَلّغُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ} من مواجبِ الرسالةِ التي من جُملتِها بيانُ نزولِ العذابِ إنْ لم تنتُهوا عن الشركِ من غيرِ وقوفٍ على وقتِ نزولِه. وقرئ: {أُبْلِغُكُم} من الإبلاغِ. {ولكنى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} حيثُ تقترحُون عليَّ ما ليسَ من وظائفِ الرسلِ من الإتيانِ بالعذابِ وتعيينِ وقتهِ. والفاءُ في قولِه تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ} فصحيةٌ، والضميرُ إما مُبهمٌ يوضحه قولُه تعالى {عَارِضاً} تمييزٌ أو حالٌ أو راجعٌ إلى ما استعجلُوه بقولِهم فائتنا بما تَعدُنا أي فأتاهُم فلمَّا رأَوهُ سحاباً يعرضُ في أفق السماءِ {مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} ي متوجِّه أوديتِهم. والإضافةُ فيه لفظيةٌ كما في قولِه تعالى {قَالُواْ هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} ولذلكَ وَقَعا وصفينِ للنكرةِ {بَلْ هُوَ} أي قالَ هُودٌ وقد قرئ كذلكَ، وقرئ: {قُلْ}، وهُو ردٌّ عليهم، أيْ ليسِ الأمرُ كذلكَ بلْ هُو {مَا استعجلتم بِهِ} من العذابِ {رِيحٌ} بدلٌ منْ ما أو خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ. {فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} صفةٌ لريحٌ.

1 | 2 | 3 | 4 | 5